يحصل الآن من بعض الذين تعرضوا للتفسير، وقد كان هذا المورد أو النهر الخضم العظيم، مجالا واسعا لكل من أنس القدرة على العوم فيه، بما تيسر له من علم وأدوات، فبعضهم خاضه بما أتقنه من علوم العربية، وبعضهم أضاف إلى ما عرفه من علوم الدين، ما علمه من علوم الكون كالرازى، وبعضهم ركز فيه على الجانب الذى يتقنه، فجعله معرضا لعلم الفقه والأحكام.. وهكذا.
يقول السيوطى (١): «ثم صنف بعد ذلك قوم برعوا فى علوم، فكان كل منهم يقتصر فى تفسيره على الفن الذى يغلب عليه، فالنحوى تراه ليس له هم إلا الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته كالزجاج والواحدى فى البسيط، وأبى حيان فى البحر والنهر.»
«والأخباري ليس له شغل إلا القصص واستيعابها، والأخبار عمن سلف سواء كانت صحيحة، أم باطلة كالثعلبى»
«والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمهات الأولاد، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التى لا تعلق لها بالآية والجواب عن أدلة المخالفين كالقرطبى»
«وصاحب العلوم العقلية كالفخر الرازى قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها. وخرج من شىء إلى شىء، حتى يقضى على الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية»
«والمستبدع ليس له قصد إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد»
«والملحد لا تسأل عن كفره وإلحاده فى آيات الله»
ويعتبر هذا ملخصا لنظرة السيوطى إلى التفاسير التى ظهرت واطلع عليها فى أيامه (١٨٤٩ - ٩١١ هـ)