ثم لما هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة نزلت عليه سورة البقرة، مؤصّلة بسورة الأنعام، ومقررة لقواعد التقوى وأصولها. فبينما كانت سورة الأنعام المكية تقرر أصول التوحيد، والنبوة، والمعاد، ودلائلها.. كانت سورة البقرة تؤصل العبادات، وقواعد الإسلام، وتقرر أحكام المعاملات من البيوع والأنكحة، والعادات من أصل المأكول والمشروب وما أشبههما، وأحكام الديات والدماء وما يليها، وما زاد على ذلك من فروع التقوى من التكاليف مما جاء بعدها ولم يذكر فيها، فقد جاء مكملا لما جاء فيها مردودا إليه، مثلما كانت سورة الأنعام تأصيلا للعقائد، وما لم يذكر فيها من العقائد- وجاء بعد نزولها- اعتبر داخلا تحت أصولها... ، وكذلك نرى هذا المعنى متقررا بين كل سورة من المكي والمدني، والترتيب بين السور والآيات يشير إلى ابتناء اللاحق على السابق، والمتأخر على المتقدم.
فلا يغيبن على الناظر في الكتاب هذا المعنى، فإنه من أسرار علوم التفسير.
وللسنة في هذا الترتيب مدخل للحفظ؛ إذ هي مبينة للكتاب، فهي تابعة له في ترتيب نزوله (١).

(١) انظر: الموافقات، ٣/ ٤٠٦: ٤٠٨، ومقدمة التعريف بأصول الفقه والفقه، للدكتور محمد سعاد جلال، ٤٨، ٤٩.


الصفحة التالية
Icon