ومن ثم بنيت بحوث هذا الكتاب على أصلين:
أولهما: ما يعوّل عليه من اللغة في علوم القرآن.
وثانيهما: ما يعوّل عليه من الشرع في علوم القرآن.
ونهجي في هذا الكتاب أن أبدأ بذكر ما قاله الشاطبي ثم أوضحه إن احتاج الأمر إلى توضيح، وأعقب عليه إن اقتضى الأمر تعقيبا، ثم أقارن أحيانا بين ما يقوله- رحمه الله- وبين ما يقوله غيره من علماء القرآن والأصول، فيظهر في نهاية المطاف قيمة ما يقوله الإمام الشاطبي عن القرآن وعلومه في كتابه" الموافقات".
وحسبي أنني ألج هذا الباب وأسلك هذا الطريق دون ريادة سابقة فيما أعلم أتهدّى بها في موضوع دقيق كموضوع هذا الكتاب، ولعلي بهذا أستثير الدافع عند آخرين ليسلكوا ما عساي أكون قد بدأت به.
والمحصّلة الأخيرة التي خرجت بها من قراءة هذا الكتاب هي أن الشاطبي كان يتعبد في محراب" كيف تكشف الغمّة عن هذه الأمة". ولذلك حاول أن يرجع بفهم القرآن الكريم وتفسيره إلى ما كان عليه الأوائل من بيان هدى الله في قرآنه، واقتطاف أحكامه، وبيان أن هذا القرآن هو معجزة الإسلام وأن كل مفسّر مهما حاول فإنما يأخذ نقرة بمنقار طائر في بحر محيط. واعتقاد مفسري القرآن كان ولا يزال، وسوف يستمر، أن ما أدركوه من معناه هو شيء ظني، وأن ما أدركوه من إعجازه هو شيء نسبي، إذا قيس بما عليه حقيقة أمر القرآن الذي لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه.
...