وفي بيان ذلك يقول الشاطبي:" لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه (وهو السنة)؛ لأنه إذا كان كليّا فلا محيص عن النظر في بيانه. وبعد ذلك ينظر في تفسير السلف الصالح له- إن أعوزته السنة-.. فإنهم أعرف به من غيرهم. وإلا.. فمطلق الفهم العربي لمن حصّله يكفي فيما أعوز من ذلك" (١).
هذا.. وقد عقد الشاطبي القسم الثالث من كتابه" الموافقات" لبيان مقاصد الشريعة بقسميها: ما يرجع إلى الشارع الحكيم، وما يرجع إلى العبد المكلف.
وجعل القسم الأول أربعة أنواع: قصده الشارع في وضع الشريعة ابتداء، قصده في وضعها للإفهام، قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها، قصده في دخول المكلف تحت حكمها.
والذي يعنينا منها في هذا المقام هو: النوع الثاني: ما قصده الشارع في وضعها للإفهام. وهو يقيم هذا النوع على خمس مسائل.
وأحب أن ألفت النظر إلى أنني لن أتقيد في بحثي هذا بذكر مسائله الخمس، بل أذكر منها ما له صلة مباشرة بما يعوّل عليه في علوم القرآن. كما أنني لا ألتزم كذلك ترتيبه الذي انتهجه، مراعاة لما أتغيّاه من ربط القضايا محل البحث بعضها ببعض.