التعامل بالربا المضاعف، وأن الرجل منهم كان يربي أجل، فإذا حلّ قال للمدين:
زدني في المال حتى أزيدك في الأجل، فيفعل.. وهكذا عند محل كل أجل كان يستأصل ما له بالدين الطفيف.. أقول: إذا علم هذا؛ علم أن الآية جاءت مراعاة لعاداتهم، وتنديدا بشنيع معاملاتهم. فليس الربا مخصوصا بالمضاعف.. بل هو حرام قليله وكثيره، والقيد لبيان الواقع كما يقولون.
ومن ذلك قوله تعالى يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [سورة النحل: ٥٠]، أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ [سورة الملك: ١٦]، وأشباه ذلك.. فإنها جري على معتادهم من اتخاذ الآلهة في الأرض، وإن كانوا مقرّين بألوهية الواحد الحق.. فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه؛ تنبيها على نفي ما ادعوه في الأرض من الأوثان، فلا يكون فيه دليل البتة على إثبات الجهة لله سبحانه.
ومن ذلك قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى [سورة النجم: ٤٩].. فعين هذا الكوكب مع أنه رب الكواكب كلها؛ لأن العرب عبدته، وهم خزاعة، ابتدع لهم ذلك أبو كبشة.
هذا. ولقد صوّر الشاطبي طرفا من معهود العرب في لسانها في التراوح بين المعاني والألفاظ والأساليب، فقال:" ومن معهودهم: ألا ترى الألفاظ تعبدا عند محافظتها على المعاني، وإن كانت تراعيها أيضا، فليس أحد الأمرين عندها بملتزم؛ بل قد تبني على أحدهما مرة، وعلى الآخر أخرى، ولا يكون ذلك قادحا في صحة كلامها واستقامته" (١).

(١) الموافقات، ٢/ ٨٢.


الصفحة التالية
Icon