دقة وغور؛ كانت الحاجة في تفسيره واستنباط الأحكام منه تحتاج إلى دقة وأناة كذلك، فليس الأمر ضربة لازب، بل له قواعد وضوابط وسبل، تستمد من حقيقة هذا الوحي وما أودع فيه من مراد الله، ومن خصائص اللسان الذي نزل به. ومن ثمّ.. قرر أهل التفسير والأصول واللغة أنه لا يجوز لأحد أن يفسر ذلك البيان من دون فقه ذلك اللسان العربي؛ لأن القرآن- كما قلنا- لم يخرج عن معهود العرب في لغتهم من حيث الألفاظ المفردة، والجمل المركبة، وقوانينها العامة.
ومن ثمّ.. فتفسير النص القرآني بما لا يكون معهودا من لغته كذب. فمثلا:
لو فسرت" النجدين" في قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [سورة البلد: ٨، ٩، ١٠] بأن النجدين- كما يقول أحد أصحاب" القراءة المعاصرة"- أعضاء بمعنى الثديين؛ فإنك تكون كذبت على لغة العرب، وبالتالي على القرآن الذي نزل على لغة العرب، ويترتب على ذلك القول بقصور أفهام العرب عن إدراك تامّ لمعاني القرآن أو عدم إدراكها بالمرة.
فتحميل النص ما لا يحتمل من الدلالة اللغوية كذب في بيان المراد الإلهي منه.
ثم إن تنزيل القرآن على غير معهود العرب سوف يجرد القرآن من الإعجاز من وجهه البياني، وهو أهم وجوه الإعجاز، إن لم يكن هو الوجه الوحيد.
ومن العجيب أن صاحب هذه الدعوة يسقط البيان النبوي للقرآن الكريم، مع أن السنّة هي بيان القرآن بنص القرآن، وهي تأخذ حجيتها من إقرار القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم، فالنبي ﷺ لا يأمرنا ولا ينهانا إلا بالذي يأمرنا به الله عزّ وجلّ.