ويدل على ذلك جملة وقائع ظهرت أثناء نظر الصحابة للقرآن، وإرادة فهمهم مجرى خطابه. ومن ذلك ما نقله الشاطبي أن مروان بن الحكم أشكل عليه قوله تعالى:
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا [سورة آل عمران:
١٨٨]، فأرسل إلى ابن عباس يقول له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي ويحب أن يحمد بما لم يفعل معذّبا؛ لنعذّبن أجمعون! فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟! إنما دعا النبي ﷺ يهود، فسألهم عن شيء من التوراة فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وفرحوا بما فعلوا، وأحبوا أن يحمدهم الرسول ﷺ على هذه الأخبار الكاذبة.. ثم قرأ قول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ [سورة آل عمران: ١٨٧].
فهذا السبب يظهر أن المقصود من الآية تعذيب المنافقين الكاتمين لأحكام الله، لا ما فهمه مروان بن الحكم.
ومن ذلك: ما روي أن عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود يخبر عمر أن قدامة شرب فسكر، فقال له عمر: ومن يشهد على ذلك؟ فقال: أبو هريرة. فقال عمر: يا قدامة.. إني جالدك. فقال:
والله.. لو شربت- كما يقولون- لما كان لك أن تجلدني. قال عمر: ولم؟!
قال: لأن الله يقول: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [سورة المائدة: ٩٣].. قال قدامة: فأنا من الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا.. شهدت مع رسول الله ﷺ بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها. فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين، وحجة على