المرتبة الثانية: مرتبة العموم في الاستعمال اللغوي، وهو استغراق ما يدل عليه الكلام بحسب عرف التخاطب عند العرب، وما يغلب قصدهم إليه في محاوراتهم، حتى صار فيه كأنه حقيقة عرفية عامة.
المرتبة الثالثة: مرتبة العموم في الاستعمال الشرعي، وهو استغراق ما يدل عليه الكلام بحسب ما عرف من مقاصد الشارع وقواعده، حتى صار كأنه فيه حقيقة عرفية خاصة" حقيقة شرعية".
وطريقة تنزيل النصوص على هذه المراتب ألا ينتقل بها عن مرتبة من العموم إلى مرتبة أوسع منها إلا حيث لا يوجد داع للوقوف عند تلك المرتبة الدنيا.
فينبغي في كل موضع أن ينظر إلى النص: هل للشارع فيه عرف خاص يحد من عمومه ويضيق من دائرته؟ فإن كان؛ وجب تنزيل النص على قدر تلك المرتبة، ومن جاوزها إلى ما وراءها؛ فقد زاد في الشرع ما ليس منه. وإن لم يكن للشارع عرف خاص؛ وجب أن ينظر مرة أخرى: هل جرى عرف العرب في محاوراتها بحمل ذلك النص على وجه لا يستوعب كل حقيقة؟ فإن وجد؛ فليقتصر عليه دون زيادة ولا مجاوزة. وأما إذا لم يكن عرف خاص شرعي، ولا عرف عام لغوي؛ فيفسّر النص ببعض متناولاته، فإنه يجب أن يرجع به إلى أصل وضع اللغة، فتؤخذ القضية فيه بأوسع معاني العموم التي تقبلها صيغتها. ومن وقف بالعموم حينئذ دون غايته؛ فقد نقص من الشرع ما هو فيه.


الصفحة التالية
Icon