(٥) معرفة الظاهر والباطن من معاني القرآن الكريم
بداية.. فإن حصيلة ما ذكرناه من قبل أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب، وعلى معهودهم في الخطاب. وعليه.. فإنه لا بدّ أن يسلك في فهمه واستنباط معانيه مسلك العرب في فهمهم واستنباطهم. ومن عادة العرب وجوب العمل بما تقضي به دلالة اللّفظ المتبادرة منه، أخذا بحكم العمل بما هو مترجح في القلب: من كون الأصل هو بقاء اللفظ على معناه المعين بإزائه. ومن إيجاب حكم العلم: الأخذ بالراجح ما لم تقم قرينة صارفة إلى خلافه.
وبناء على ذلك فإنه يجب العمل بما يدل عليه ظاهر كل لفظ؛ لأنه حجة لظهور تبادره منه لغة، ما لم تصرف أدلة أو قرائن معتبرة عن ذلك الظاهر، وذلك لما أنّ في العدول عن الظاهر- مع إمكانه- طرحا للدليل لغير شيء.
والشاطبي في حديث له عن القرآن يعرض لقضية أن للقرآن ظاهرا وباطنا فيفسرها ويناقشها. إلا أننا قبل أن نذكر نص كلامه نحرر محل النزاع في هذه المسألة الخطرة.
ذهبت طوائف من الناس إلى أن للقرآن معنى باطنا يحملون لفظ القرآن عليه. أما أن يكون للقرآن معان ظاهرة؛ فهذا ما لا يختلف فيه أحد من أهل العلم. وأما أن يكون للقرآن معان باطنة؛ فهو ما وقع فيه الخلاف.. لكن لا من جهة أن يكون للقرآن معان باطنة، فهذا أيضا محل اتفاق بين أهل الحق.. ولكن خلافهم كان في تعيين ما هو المعنى الباطن الذي يصار إليه.
هذا هو تشخيص المسألة. ولنبدأ الآن في ذكر ما يقوله الشاطبي:


الصفحة التالية
Icon