ب" مبصرون" على مثال اسم الفاعل بدلا من الفعل المضارع" يبصرون"؟ وقد كان الاستعمال خليقا أن يجيء على مقتضى المشاكلة مع قوله" تذكروا"..
والجواب: أن التّذكّر يحدث بعد مسّ الشيطان، ويتجدد بتجدد هذا المس، وذلك بخلاف الإبصار" بالحق".. فإنه ثابت لهم، قائم بهم؛ لأن اسم الفاعل حقيقة فيمن قام به الفعل، وقد يغطيه مس الشيطان، فتجدّد التذكر يكشف لهم هذا الغطاء، ليتجلى لهم الحق- الذي عهدوه- قائما بنفوسهم. أي يفاجئهم قيام عمل البصيرة بهم دفعة.. بخلاف التذكر (١). فكأنما الإبصار بالحق مصباح كهربائي مضيء، قائم في قلوب المتقين، بينه وبين مس الشيطان حجاب من الغفلة. وكأنما التذكر أداة ترفع هذا الحجاب عنهم كلما حدث مسّ من الشيطان لهم، فينطلق عندئذ نور الإبصار بالحق دفعة على مس الشيطان فيمحوه دفعة.
ومنه قوله تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ [سورة الأعراف: ١٣١].. فيقال: لماذا صدّر" الحسنة" بلفظ" إذا" وجاء بلفظها معرّفا، وقد صدّر" السيئة" بلفظة" إن" وجاء بلفظها منكرا؟
والجواب: أن الحسنات من: الخصب، والرخاء، والعافية هي العطاء الأكثر في العالم، وأن السيئات- وهي كما تطلق على المعاصي تطلق على المضارّ، كالجدب والشدة والمرض- هي الأمر الأقل- بالنسبة للحسنات- حدوثا في العالم. ولما كان لفظ" إذا" يدل على تحقق معنى المذكور بعده، ولفظ" أل" يدل

(١) المرجع السابق، ٣/ ٣٨٧.


الصفحة التالية
Icon