يستحق ذلك- قال ابن عباس: ثم سألني عمر عن قوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [سورة النصر: ١ - ٣]. فقلت: إنما هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه إياه". فقال عمر:" والله.. ما أعلم منها إلا ما تعلم".
فالمعنى الظاهر من دلالة الألفاظ لهذه السورة لا يفيد إلا بيان نعمة الله على النبي ﷺ بسوق الفتح والنصر له، ودخول الناس في دين الله أفواجا، وأمره بالتسبيح بحمد الله للشكر على هذه النعمة العظيمة.
أما المعنى الخفي؛ فهو الدلالة على اقتراب أجل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن لقاءه بحيث يفترض أن ينتهي بانتهاء رسالته، وقد دلت السورة- بمعناها الخفي- على هذا الانتهاء.
ثانيتهما: أنه لما نزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [سورة المائدة: ٣] فرح الصحابة، وبكى عمر رضي الله عنه وقال:" ما بعد الكمال إلا النقصان! ".. مستشعرا نعيه صلى الله عليه وسلم. وما عاش بعدها ﷺ إلا واحدا وثمانين يوما.
فالمعنى الخفي الذي فطن إليه عمر، وابن عباس رضي الله عنهما- إنما هو راجع إلى حدّة الذهن، ونفاذ البصيرة التي تلمح من المعاني ما يكون لازما للمعاني التي وضعت الألفاظ بإزائها.