عادته في خلقه أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم؛ فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، ولكلّ جزاء مثله.
ومنها: كثرة مجيء النداء باسم الرّبّ المقتضي القيام بأمور العباد وإصلاحها، فكان العبد متعلقا بمن شأنه التربية والرفق والإحسان، قائلا: يا من هو المصلح لشئوننا على الإطلاق.. أتمّ لنا ذلك بكذا.. قال:" وإنما أتى" اللهم" في مواضع قليلة، ولمعان اقتضتها الأحوال".
قال:" ومنها: تقديم الوسيلة بين يدي الطلب، كقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [سورة الفاتحة: ٥، ٦].
الرابع: وهو الأخير، قسم هو المقصود الأول بالذكر، وهو الذي نبه عليه العلماء، وعرفوه مأخوذا من نصوص الكتاب- منطوقها ومفهومها- على حسب ما أدّاه اللسان العربي فيه.
قال:" وذلك أنه محتو من العلوم على ثلاثة أجناس هي المقصود الأول:
أحدها: معرفة المتوجّه إليه، وهو الله المعبود سبحانه.
الثاني: معرفة كيفية التوجه إليه.
الثالث: معرفة مآل العبد، ليخاف الله به ويرجوه".
قال:" وهذه الأجناس الثلاثة داخلة تحت جنس واحد هو المقصود، عبّر عنه قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات: ٥٦] " (١).
لقد كان القسم الأول عنده في ذكر العلوم العربية التي لا بدّ منها، وهي من علوم القرآن، وقد وضعت في الأصل لخدمة هذا الكتاب الكريم- على ما سبق بيانه في الأصل الأول- و" علم القراءات"- وهو علم خاص بالقرآن الكريم...