السلام قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: ٩٠]، فما كان منه إلا أن رجع إلى قومه، وقال: والله لقد سمعت كلاما ما هو بكلام الإنس، ولا بكلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسلفه لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى.
كلام زعيم من زعماء الرأى والمشورة والبيان، ويعرف محمدا فى نشأته وفى صباه، ويعرفه فى مراحل حياته معرفة سماع أو مخالطة فى بيئة ضيقة يتصل فيها المجتمع بعضه مع بعض، وتتقسم فيه العائلات والأسر وظائف الحياة التى يحتاج إليها المجتمع، فى ذلك المكان الذى هيأه الله لعبادته، وأرسى فيه القواعد أبو الأنبياء إبراهيم، عليه السلام؛ ليكون أول بيت لله فى الأرض لعبادته.
كانت للقرآن ولا تزال تلك المكانة العليا التى أرادها الله لكلمته الهادية، والتى عبرت عنها الآيات القرآنية فى وصف أثره فى نفوس المؤمنين به فى قوله تعالى:
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ [الزمر: ٢٣].
وفى آية أخرى: إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩].
كتاب معجز يخاطب العقل والوجدان، ويرسل هدايته إلى كل جبل يتحدى بإعجازه الزمان والمكان؛ لأنه من لدن حكيم خبير.
وهذه المعجزة من جملة ما نطقت به الألسن، وما جرى فى الاستخدام اللغوى من حروف وألفاظ، ولكنها فى الذورة من البلاغة التى لم تعهد فى تراكيبهم الأسلوبية، ولم تتخلف هذه البلاغة، ولم تضعف هذه الفصاحة، بالرغم من كثرة سوره، وتكرار موضوعاته وأغراضه، واختلاف أساليبه وعباراته من إيجاز، وإطناب، وتقديم،
وتأخير، حتى أن هؤلاء العرب وحذاق الكلام مع شدة عداوتهم للإسلام، لم يجدوا فيه مجالا لطعن، بل قالوا: إنه ليس من جنس الخطب والشعر، وبدءوا ينسبونه إلى السحر مرة، وإلى أنه إفك مرة أخرى افتراه محمد، وأعانه عليه قوم آخرون، أو أساطير الأولين اكتتبها، فهى تملى عليه بكرة وأصيلا.