فى الحياة الأخروية التى تفرز الطيب والخبيث، وتحقق عدل الله لمن حرم هذا العدل فى دنياه، واستدامة حياة أخرى تليق بخليفة الله، الإنسان، عن بقية المخلوقات التى خلقت من أجله، وعاشت فى دنياه من كل ما خلق الله.
وهذا الأمر من تحقيق حكمة الوجود الإنسانى، والداخل فى علم الله الذى ينفرد به وحده، ويغيب عن مدركات مخلوقاته الأخرى، الملائكة التى أمرت بالسجود تنفيذا لأمر الله، سيكمل ويتحقق ما دام خاضعا للمنهج الإيمانى الذى حدده الله فى قوله إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]، فالعبادة التى يرتضيها الله لعباده الذين خلقهم هى العبادة التى تنتج عن تفكير، وإرادة، وحرية، واختيار، وعلم، وبصر، والتى توجب الامتياز والتفضيل عن بقية المخلوقات التى لا تملك هذه الوسائل، ولا تستطيع الحصول عليها بحكم تكوينها وإمكاناتها، وإن كان ما خلق الله جميعه من أرض، وسماء، ونبات، وحيوان، وطير، تشترك جميعها فى عبادة الواحد الأحد، الفرد الصمد، تعبد الله وتؤدى دورها فى الحياة أداء طاعة وتسخير لما خلقت من أجله، وبما يتناسب مع خصائصها وذواتها، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:
٤٤].
٥ - ومن مظاهر التيسير التى كتبها الله لقرآنه، أنه قد حفظ بالكتابة والطباعة على مدى العصور، فقد سخر الله الإنسان حتى من لم يؤمن به، لكى يشترك فى أمر المحافظة عليه، وذلك أنه أخذ صفة العالمية فى وقتنا الحاضر، فالفن بكل إبداعاته يتجه إلى إخراجه فى أبهى صورة له فى أنحاء العالم، مؤمنه وكافره، وتتسابق إلى ذلك دور الطباعة والنشر فى سبيل إخراجه وإبرازه على الوجه الأكمل الذى يحفظه من التصحيف والضياع.
٦ - ومن فضل الله علينا وعلى الناس، أن سهل حفظه على الناشئة فى صغرهم، ويسر نطقه وقراءته على تلك البراعم الصغيرة التى ترغب فى تعليمه وحفظه، فهم عن طريق التلقين يستمعون ويكررون القول، وينطقون الآيات والحروف تبعا لما يسمعون، ويعلق هذا بأذهانهم حتى على غير الناطقين باللغة العربية.
والإنسان يأخذه العجب، وتتملكه الدهشة، حينما يسمع إلى قارئ القرآن ينطق الآيات نطقا سليما يدل على حبّ شديد لما يقرأ، حبّ يملك عليه نفسه وقلبه، فإذا