إلى حالهم المستكين، وتأخرهم المريض، وعرفوا سر ما هم فيه من انكسارات تقوض دعائمهم، وهزائم فى ميادين الحياة المختلفة تستل منهم مواطن العزة، وجدوا كل ذلك وعرفوه بمقارنة حالهم بحياة الأمم الأخرى التى تعيش بالفكر، والعقل، والعلم، واليقظة لدروس الحياة، فبدءوا يتلمسون الطريق، ولكن أى طريق يسلكون؟ وأى نور يلتمسون؟ أكل طريق يصلح للسير فيه؟! أكل نور يصلح للهداية؟! هذه التساؤلات دفعت عقلاء القوم، والمستنيرين منهم، إلى جدية البحث وراء العلاج الذى يشفى من كل مرض وراء الحياة الجديرة بالأمة التى حباها الله بالقرآن، وراء الحياة الحقيقية التى يجب أن يحياها المؤمن، والتى تحقق له خيرى الدنيا والآخرة، الحياة التى تقوم على دعائم العقيدة، والروح، والعقل، والفهم، والتدبر فى ملكوت الله حتى يكون السير على هدى وبصيرة.
إن حاجة هذه الأمة إلى تلك اليقظة التى تشمل كل كيانها، حاجة ملحة وشديدة، وفى الاستفادة من دروس الماضى وعبره، وسير الأولين والآخرين، وفى الرجوع إلى آيات الله وقرآنه الحكيم ما يجعل الأمة المسلمة، والفرد المؤمن، يرى طريقه الصحيح، ويجتنب العثار والسقوط.
وفى النظر إلى ما يحدث فى الحياة الحاضرة من أحداث، وما يقع فى العالم من أزمات ومشكلات، وما يجابه الإنسان المعاصر من متغيرات تدعوه إلى إصلاح مساره، وعلاج انحرافه، وطلب المزيد من التجارب الناجحة التى مورست، ويمارسها الإنسان فى الحاضر لإصلاح شأنه، فى جميع ما يحتاج إليه فى هذا الشأن من الأمور الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، واختيار الطريق الأصلح والأقوم للنجاح فى هذه الحياة.
كل ذلك يوسع دائرة البحث، والعلم، والاستفادة، وينير للإنسان طريقه، فلا يخضع لتقليد مقيت يجره للماضى وما فيه من أمور حكمت تجارب الحياة الحاضرة بفسادها وعدم صلاحيتها للاقتباس منها، وتمثلها فى خطواتنا.
وكذلك لا يخدع بالحاضر، وما فيه من مغريات تغطى على بصره وبصيرته، فلا يرى طريقه الصحيح، ولا يستبين معالمه.
وإنما هو العقل الراشد، والإيمان الثابت، والإرادة القوية، التى تفتح مغاليق الحياة، وتجعل الإنسان آمر نفسه، وصاحب كلمته فى الأرض التى خلقها الله من أجله.