قَدَّمَتْ يَداكَ [الحج: ١٠]، قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ [يوسف: ٤١]، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود: ٨١]، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:
٤٣]، وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: ٢١٦].
وهذه العبارات لا تدخل فى باب الأمثال، فإن اشتمال العبارة على معنى ورد فى مثل لا يكفى لإطلاق لفظ المثل على تلك العبارة. فالصيغة الموروثة ركن أساسى فى المثل، وهذه المحاولة لا سند لها من دليل نصّى ولا تاريخى، والقرآن الكريم لم يصرح فى هذه الآيات بأنها مثل.
والنوع الثانى: وهو عماد دراستنا، وموضوع بحثنا فى هذا المؤلف، هو ما يطلق عليه القرآن الكريم كلمة المثل أو الأمثال، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ [العنكبوت:
٤٣]، ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا [الروم: ٢٨].
آيات عديدة نستطيع أن نطلق عليها، كما أطلق ذلك الدكتور/ عبد المجيد عابدين:
الأمثال القياسية.
ونحن إذا قرأنا آيات الله، واستعرضنا ما ورد بها من أمثال قرآنية، وجدنا أنها تأخذ ذلك الأسلوب الذى لم تسبق إليه فى البيان العربى فى الجاهلية وصدر الإسلام فى صياغتها، وتكوينها على النحو الفريد الذى عرضت فيه. فهى تعرض لنا:
أولا: صورة وصفة المتمثل له، والمتمثل به على هذا النحو الذى تمثله النماذج القرآنية فى الآيات التالية:
أ- قال الله تعالى: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:
١١٧].
ب- وقال أيضا: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: ٤١].
فالآية تبدأ بكلمة مَثَلُ التى تدل على الصفة والحالة، وتعرض المتمثل له مباشرة، ثم تعقب ذلك بكلمة مَثَلُ المكررة التى تفيد الحالة والصفة أيضا للمتمثل به، مسبوقة بالكاف الدالة على التشبيه، وهذا فى أكثر الاستخدامات القرآنية، وقد