يسير حسب أهوائه، فنفسه خبيثة طبعت على الرضا بالهوان، والمسكنة، والخضوع، لا ينتظر منه خير فى مسلك أو عمل صالح.
أما الرجل الآخر، فهو كنظيره فى المثل السابق الذى يملك ماله، ويتصرف بإرادته، ويفيض على الآخرين فى كل وقت وحين، له عمله، وحريته، وحركته البناءة التى تدل على حقيقة حاله، هنا أيضا له أمره الذى يصدره عن عزة واقتدار، لمن يخضع لمشيئته، فلا يملك إلا التنفيذ وسرعة الاستجابة، أمر يصدر يحمل فى طياته النفع، والخير، والهدى، والعدل.
هذه الأمثال التى تناولتها سورة النحل سبقت فى إطار واحد لتوضيح حقيقة لا لبس فيها، ولا غموض لدى الإنسان الذى يملك إرادته، ويعرف الحكمة من وجوده، وهى أن العبودية لله وحده؛ لأن السلطان بيده، والحكم له، يأمر بالعدل، وينهى عن المنكر، وكل فعل يجب أن يكون فى إطار ما شرع الله، وعلى هدى سننه، وكل تحرك بالعمل، والفهم فى هذه الحياة التى يحياها الإنسان يجب أن يأخذ نوره وقبسه من شرع الله، ويبتعد عن أولئك الظالمين لأنفسهم، والمضلين لغيرهم، الذين تحكمت فيهم عقائد الجاهلية وغوايات الشيطان.
٥ - قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٢٩]. هذا المثل أتى عقب آية قرآنية تشيد بأمرين جديرين بالتأمل والاستفادة، وهما:
(أ) أن الله اقتضت حكمته أن يكثر فى كتابه الكريم من ضرب الأمثال للتذكر، والعظة، والاعتبار.
(ب) وأن يكون ذلك فى معرض قرآنه الحكيم الذى أنزله بلسان عربى مبين؛ ليكون طريقا إلى الإيمان القوى، وليكون علاجا للنفوس المريضة التى لم تتشرب الإيمان الحقيقى، فيكون طريقا إلى التقوى والخوف من الله جل فى علاه، ومراقبته فى السر والعلن، وخشيته فى الظاهر والباطن، والإيمان به إيمانا قائما على إعمال الفكر، والتدبر، والنظر، والاستدلال، وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر: ٢٧، ٢٨].
تبدو كل هذه المعانى فى ذلك المثل الذى يأخذ أمثلته من الحياة التى يحياها الناس،