ويخوفهم من مغباته، وما يجره على النفس من مهالك.
وإذا كانت الأساليب المرغبة فى الخير، والناهية عن الشر، قد تنوعت فى أساليب القرآن من أخبار، وقصص، وتذكر لأحوال، وأمر، وتعجب، واستفهام... إلخ، وكان لها من التأثير ما يملك القلوب، ويصل إلى العقول، فتكون الاستجابة، والإقبال على الطاعة، فإن سوق هذا الترغيب والتحذير فى ثوب الأمثال ما يكون له من الإقناع، وتجلية الأمور الخفية وإيضاحها أكثر من وصف الشيء ذاته، وعرضه عرضا مباشرا، فكأنه يعطى المعنى، والدليل عليه، ويعرض الغائب فى سورة المشاهدة، وهذا سر تأثيره.
ومن الملاحظ أن الترغيب فى الإيمان إذا كان مجردا عن ضرب مثل به، ولم يتأكد وقوعه فى القلب، كما يتأكد إذا مثل بالنور، أو بشجرة طيبة، وإذا كرّه فى الكفر بمجرد الذكر لم يتأكد قبحه فى العقول كما يتأكد إذا مثل بالظلمة، أو بشجرة خبيثة، وإذا أخبر بضعف أمر من الأمور، وضرب مثله بنسج العنكبوت، كان ذلك أبلغ فى تقرير صورته من الإخبار بضعفه مجردا (١).
وبعرض هذه النماذج القرآنية المتقابلة تتضح الحقائق، حقائق النفوس، وحقائق الحياة، ويعرف الإنسان موقفه بين يدى ربه فى الآخرة، وليس هناك من رادع عن الشر، وزاجر عن الوقوع فى معصية، من عرض قصة، أو تبيان حالة، كما أنه ليس هناك من داع إلى الخير، ودافع إلى الإحسان، من التمثل بحال من الواقع، وسرد لحقيقة يصحبها الدليل والبرهان.
هكذا النفوس جبلت على الاقتداء، والإيمان بالممارسة والعمل، ولذا فإننا حين نعرض للأمثال القرآنية فى هذا السبيل الداعى إلى الخير، فإننا نتمثل الإنسان وما يصدر عنه، وما يحيط به، وما يقع منه، وكذلك نعرض لهذه الأمثال التى تحذر من الشر، والوقوع فى براثنه، والتأثر بمغريات الحياة وشهواتها من مال، وولد، وجنس، وكل ما يجعل للشيطان سبيلا إلى سيطرته على النفس، والمعتقد، والفكر.
أتت هذه الأمثال كما سنراها شاملة لجانبى الحياة من خير وشر، ومن فضيلة ورذيلة، حتى يسهل عن طريق الموازنة والمقابلة، الحكم على الأشياء، وبضدها تتميز الأشياء.