يصح أن يكون المراد بالسبيل طريق خروجه من بطن أمه، فتكون «أل» عوضا عن الضمير، والمعنى: ثم سبيله، أى طريق خروج الإنسان من بطن أمه، يسره الله له، وسهل عليه خروجه، ويصح أن يكون المراد به أيضا السبيل العام، أى طريق الخير والشر، ويكون منصوبا على الاشتغال بفعل مقدر تقديره: ثم يسر السبيل يسره، فالضمير فى يسره للسبيل، أى سهل السبيل للإنسان، كقوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: ٥٠].
وقوله جل وعلا: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس: ٢١] عد الإماتة من النعم؛ لأنها وصلته فى الجملة إلى الحياة الأبدية، والنعم المقيم، فَأَقْبَرَهُ أى جعله فى قبر يستره، وإنما لم يقل: فقبره؛ لأن القابر هو الدافن بيده، والمقبر هو الله تعالى، يقال: قبر الميت، إذا دفنه، وأقبره، إذا أمر غيره أن يجعله فى قبر، وكان القبر إكراما للإنسان، حيث لم يكن كغيره من بقية الحيوانات يلقى على الأرض عند موته تأكله الطير، والهوام، وتنهشه السباع.
وقد أشارت الآية إلى إيجاب المبادرة بتجهيز الميت من غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، بالفاء التى تفيد التعقيب من غير مهلة فى قوله: فَأَقْبَرَهُ.
وقوله تعالى: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [عبس: ٢٢]، أى أحياه بعد موته للبعث، ومفعول شاء محذوف، أى شاء إنشاره، وأنشره جواب إِذا، وعبر بكلمة إِذا؛ لأن وقت المشيئة غير معلوم، وأما سائر الأحوال المذكورة قبل، فتعلم أوقاتها من بعض الوجوه، ثم تفوض إلى المشيئة.
وقوله: كَلَّا [عبس: ٢٣]، ردع للإنسان عما هو عليه من الكبر، والترفع، والإصرار على إنكار التوحيد والبعث، وعلى هذا تكون متعلقة بما قبلها، والوقف عليها حسن،
ويكون قوله سبحانه: لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ [عبس: ٢٣]، سببا لهذا الردع، وهذا ما قاله الزمخشرى، وتبعه البيضاوى، وقيل: معناها حقا، وبه قال الجلال المحلى، وأبو السعود، وعليه تكون متعلقة بما بعدها، أعنى قوله: لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ [عبس: ٢٣]، والوقف حينئذ قبيح.
وقوله تعالى: لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ [عبس: ٢٣]، أى لم يفعل الإنسان من أول مدة تكليفه إلى حين إقباره ما أمره الله به مما افترضه عليه، فالضمير فى يَقْضِ للإنسان


الصفحة التالية
Icon