١ - قال الله تعالى فى سورة عبس: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ [عبس: ٢٤ - ٣٢].
تفسير إجمالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ، أى يوقع النظر التام بكل شىء يقدر عليه من بصر وبصيرة، إِلى طَعامِهِ [عبس: ٢٤] الذى هو قوام حياته، كيف هيأ له أسباب المعاش ليستعد بها إلى المعاد.
وقوله تعالى: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا [عبس: ٢٥]، بفتح الهمزة على البدل من طَعامِهِ بدل اشتمال، بمعنى أن صب الماء سبب فى إخراج الطعام، فهو أى إخراج الطعام، مشتمل عليه، أو بمعنى أن هذه الأشياء، أعنى صب الماء وشق الأرض، مشتملة على الطعام؛ لأن معنى قوله تعالى: إِلى طَعامِهِ إلى حدوث طعامه، فالاشتمال على هذا من باب اشتمال الثانى على الأول؛ لأن النظر والاعتبار إنما هو فى الأشياء التى يتكون منها الطعام لا فى الطعام نفسه، وقوله سبحانه: ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا [عبس: ٢٦]، أى بعد مهلة من إنزال الماء شققنا الأرض بالنبات، الذى هو فى غاية الضعف عن شق أضعف الأشياء، فكيف بالأرض الصلبة؟! ثم سبب عن هذا الشق ما هو كالتفسير له، فقال تعالى: فَأَنْبَتْنا بما لنا من القدرة التامة فِيها حَبًّا [عبس: ٢٧]، جمع حبة، بفتح الحاء، هو ما يحصده الناس ويدخرونه، كالقمح، والشعير، وأما الحبة، بكسر الحاء، فهو كل ما ينبت من البذور لا يحفل به، ولا هو يدخر، وقدم الحب على غيره من المذكورات؛ لأنه كالأصل فى التغذية.
وَعِنَباً ذكره بعد الحب؛ لأنه غذاء من جهة، وفاكهة من جهة، وَقَضْباً [عبس: ٢٨]. قال ابن عباس، رضى الله عنهما: هو الرطب؛ لأنه يقتضب من النخل، أى يقطع، ورجحه بعضهم لذكره بعد العنب؛ لأنهما يقترنان كثيرا.
وَزَيْتُوناً، وهو ما يعصر منه الزيت، وَنَخْلًا [عبس: ٢٩]، جمع نخلة، فكل من هذه الأشجار مخالف للآخر فى الشكل والحمل، وغير ذلك، مع الموافقة فى الأرض، والسقى، فليتدبر هذا جيدا.
وَحَدائِقَ غُلْباً [عبس: ٣٠]، الحديقة الشجر الذى قد أحدق بجدار ونحوه،