نفى إدراك القمر للشمس، أى فيلغيها، وإن كان يوجد فى النهار، لكن من غير سلطنة فيه بخلاف الشمس، فإنها لا تكون فى الليل أصلا، ونفى ثانيا سبق الليل النهار، وفيه دليل على حذف سبق النهار للّيل، وكل من الشمس والقمر فى فلك محيط به، وهو الجسم المستدير، أو السطح المستدير، أو الدائرة؛ لأن أهل اللغة على أن فلكة المغزل سميت فلكة لاستدارتها، وفلكة الخيمة هى الخشبة المسطحة المستديرة التى توضع على رأس العمود لئلا يمزق العمود الخيمة.
ولما ذكر لها فعل العقلاء من كونها على نظام محرر لا يختل، وسير مقدر لا يعوج، جمعها جمعهم بقوله سبحانه: يَسْبَحُونَ يعنى جمعها جمع العقلاء، لا أنها ذات عقل وحياة، بل لما تقدم من نظامها الدقيق، وسيرها العجيب، خلافا لما قال به بعض المنجمين من أن لها عقلا وحياة.
قال الرازى: إن أردتم القدر الذى يصح به التسبيح فنقول به؛ لأنه ما من شىء من الأشياء إلا وهو يسبح بحمد الله، وإن أردتم شيئا آخر، فلم يثبت ذلك، والاستعمال لا يدل عليه، كما فى قوله تعالى فى حق الأصنام: ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ [الصافات:
٩٢]، وقوله: ألا تنطقون (١). أ. هـ.
ومما يزيد معنى اختلاف الليل والنهار وضوحا وتبيانا، قوله سبحانه فى سورة النور:
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [النور: ٤٤]، فالله الذى له الأمر كله يحول الظلام ضياء، والضياء ظلاما، ويزيد أحدهما تارة، وينقصه تارة أخرى، مع المطر تارة، والصحو أخرى، فينشأ من ذلك التقليب من الحر والبرد، وغير ذلك ما يبهر العقول، ولهذا قال سبحانه منبها على النتيجة: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [النور: ٤٤]، على وجود الصانع القديم، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، ونفاذ مشيئته.
هذا وفى قوله سبحانه فى سورة الزمر ما يؤكد هذا المعنى، وهو قوله جل شأنه:
يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: ٥]، والمعنى يدخل الليل على النهار، ويدخل النهار على الليل. وقيل: ينقص من الليل فيزيد فى النهار، وينقص من النهار فيزيد فى الليل، فما نقص من الليل دخل فى النهار، وما نقص من النهار دخل فى الليل.

(١) انظر: التفسير الكبير (ج ٢٦) (ص ٧٧) طبعة دار الفكر.


الصفحة التالية
Icon