وقوله: بِغَيْرِ عَمَدٍ، أى رفعها خالية عن عمد مرئية، وانتفاء العمد المرئية يحتمل أن يكون لانتفاء العمد والرؤية جميعا، أى لا عمد لها فلا ترى، ويحتمل أن يكون الانتفاء للرؤية فقط بأن يكون لها عمد غير مرئى، وهو القدرة، فإنه تعالى يمسكها مرفوعة بقدرته، فكأنها عماد لها، فقوله: بِغَيْرِ عَمَدٍ معناه بغير عمد مرئية، فكلمة النفى وإن
كانت متقدمة فى الذكر، فهى متأخرة فى المعنى، وكونها مرفوعة بعماد غير مرئى مثل كونها مرفوعة بغير عماد أصلا فى كون ذلك الرفع عجيبا خارجا عن دائرة العقل والخيال، فإنا لا نتعقل ارتفاع السقف الواسع الرفيع السميك بغير عمد مرئية، ونظير الآية فى الاحتمالين قولك: ما رأيت رجلا صالحا، فإن صدقه يحتمل أن يكون لانتفاء الرجل والصلاح جميعا أو لانتفاء الصلاح وحده.
ويصح أن يكون قوله: تَرَوْنَها استئنافا، والضمير فيه يعود على السموات بعد أن كان راجعا إلى العمد فيما تقدم، والجملة لا محل لها من الإعراب، كأنه قيل: ما الدليل على أن السموات مرفوعة بغير عمد، فأجيب بأنكم ترونها غير معمودة، أو فاستشهد على كونها مرفوعة بغير عمد برؤية الناس لها كذلك.
الدليل الثانى: قوله سبحانه: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [الرعد: ٢]: والمعنى أنه سبحانه ذلل الشمس والقمر لمنافع خلقه مقهورين، يجريان على ما يريده سبحانه، كل منهما فى فلكه إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا وزوالها، فعند ذلك الوقت تنقطع هذه الحركات، وتبطل تلك التسخيرات، كما وصف الله تعالى ذلك فى قوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير: ١، ٢]، وقوله:
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق: ١]، وقوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار:
١].
ويصح أن يكون معنى الأجل المسمى هو المدة المعينة لكل منهما التى يتم فيها أدواره فى منازله المخصصة له، والتى ينجم عنها الشهر بالنسبة للقمر، والسنة بالنسبة للشمس، على ما يقوله أهل الفلك.
ووجه الدلالة على المراد فى هذا الشأن أن اختصاصهما بالحركة الدائمة على وجه مخصوص من البطء والسرعة، ونسق معين، مع كون الأجسام متماثلة، لا بدّ له من مخصص، كما تقدم ذكره عند الدليل السابق.
هذا ولما كان خلق السموات والأرض غيبا لتقدمه، وكان مقصودنا إلزام الماديين بما