مختلفة مُتَجاوِراتٌ، أى متقاربات يقرب بعضها من بعض، واحدة طينية، والأخرى سبخة لا تنبت، وأخرى صالحة للزرع لا للشجر، وأخرى بالعكس، وأخرى قليلة الريع، وأخرى كثيرة.
ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه، لم تكن كذلك؛ لاشتراك تلك القطع فى الطبيعة الأرضية، وما يلزمها ويعرض لها من الأسباب السماوية، فليست هذه القطع الأرضية فى خواصها وأحوالها مستندة إلى الاتصالات الفلكية والحركات الكونية؛ لأن قطع الأرض مختلفة فى صفاتها، مع اشتراكها فى الطبيعة الأرضية، وكونها متجاورة متقابلة، بحيث يكون تأثير الشمس وسائر الكواكب فيها على السوية.
ثم قال سبحانه وتعالى: وَجَنَّاتٌ [الرعد: ٤]، أى بساتين فيها أنواع الأشجار المختلفة، مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ [الرعد: ٤]، جمع صنو، وهى النخلات، يجمعها أصل واحد، وتتشعب فروعها، وَغَيْرُ صِنْوانٍ [الرعد: ٤]، أى متفرقات مختلفة الأصول.
ولما كان الماء بمنزلة الأب، والأرض بمنزلة الأم، وكان الاختلاف مع اتحاد الأم والأب، أعجب وأدل على الإسناد إلى الواحد المسبب، قال تعالى: يُسْقى [الرعد:
٤]، أى الجنات بما فيها، بِماءٍ واحِدٍ [الرعد: ٤]، فتخرج أغصانها وثمراتها فى وقت معلوم، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد: ٤]، أى فى الطعم ما بين حلو وحامض، وفى الشكل، والرائحة، والمنفعة... إلخ. وذلك مما يدل على القادر الفاعل المختار، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد: ٤].
دلائل من سورة النحل: وننتقل إلى سورة النحل، فنأتى منها ما يقوى المراد، ويزيد فى إيضاحه، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: ١٠، ١١].
من المعلوم والمشاهد أن النبات نوعان:
أحدهما: معد لرعى الأنعام، وقد ذكره تعالى بقوله: تُسِيمُونَ.
وثانيهما: مخلوق لأن يكون غذاء للإنسان، وهو المراد بقوله تعالى: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ.


الصفحة التالية
Icon