قوله: وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً [النبأ: ١٦]. ومثل قوله سبحانه: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً [الفرقان: ٦١]. ومثل قوله جل شأنه:
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ [عبس: ٢٤] الآيات.
ففي هذه ومثيلاتها عناية بالإنسان، وهذه العناية هى الدليل على وجود الصانع الحكيم، وذلك أن جميع الموجودات موافقة لوجود الإنسان، ومكملة لمصالحه، ومتممة لنظام حياته، وهذه الموافقة بالضرورة من فاعل قاصد، إذ لا يمكن أن تكون بالاتفاق، فمن أراد معرفة الله تعالى المعرفة التامة، فليبحث عن منافع الموجودات من أرض، وماء، ونار، وهواء، وتسخير للشمس والقمر، وتذليل الحيوان، وغير ذلك مما هو مشاهد وملموس، بل إن العناية لتظهر كذلك فى تكامل أعضاء الإنسان وأجزاء بدنه.
آيات الاختراع فقط:
مثل قوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق: ٥، ٦].
ومثل قوله سبحانه: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية: ١٧] الآيات.
ومثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج: ٧٣]. ومن هذا قوله تعالى حكاية عن قول إبراهيم، عليه السلام: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: ٧٩].
ففي هذه الآيات ومثيلاتها دلالة على وجود مخترع، وذلك أن المادة ليست أزلية كما قدمنا فى أول البحث، يعنى لم تخلق نفسها، وأن الله قادر على أن ينشئها من العدم، فهذه الموجودات مخترعة، وكل مخترع لا بدّ له من مخترع، وتدلنا دقة نظام هذه المخترعات، وانتظام سيرها، على أن هذا المخترع فاعل مختار، لهذا كان واجبا على أن من أراد معرفة الله حق معرفته، أن يعرف جواهر الأشياء؛ ليقف على الاختراع الحقيقى فى جميع الموجودات؛ لأن من لم يعرف حقيقة الشيء، لم يعرف حقيقة الاختراع، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الأعراف: ١٨٥].
آيات تجمع بين الدلالتين:
وهى كثيرة مثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ