لا يصدر عنه مثل هذه المصنوعات العجيبة، إلا لحكمة وعاقبة حميدة، كما قال تعالى:
رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ [آل عمران: ١٩١].
وذلك يستدعى أن يبتلى عباده ويكلفهم بأوامره ونواهيه، حتى يظهر المطيع من العاصى، ويجازى كل واحد منهم على حسب استحقاقه، وهذا التكليف لا يكون إلا بمبلّغ الأحكام، فدلّ ذلك على إن إرسال الرسل مما تقتضيه الحكمة.
فالاعتراف بأن ما فى السموات والأرض لله، يستلزم الاعتراف بحقية هذه المطالب الثلاثة.
المطلب الثانى: البعث:
نسوق ثلاثة مواضع من القرآن الكريم تحث هؤلاء المنكرين على النظر والاستدلال.
الموضع الأول من سورة النحل:
قال الله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:
٣٨ - ٤٠].
ادعى هؤلاء البديهة فى إنكار البعث، فقالوا: إن الإنسان ليس إلا هذه البنية المخصوصة، فإذا مات وتفرقت أجزاؤه، وبطل المزاج والاعتدال، امتنع عوده بعينه؛ لأن الشيء إذا عدم فنى، ولم يبق له ذات ولا حقيقة بعد فنائه، فالذى يعود يجب أن يكون شيئا مغايرا للأول.
وأشاروا إلى ادعائهم ضرورة ذلك الإنكار بالإقسام واليمين، وهذا هو ما حكاه الله تعالى عنهم فى سورة يس، عن أبىّ بن خلف حين أخذ عظما قد رمّ وبلى، ففتته بيده،
وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: أترى أن الله يحيى هذه؟ قال: «نعم، ويبعثك ويدخلك النار»، وذلك فى قوله تعالى: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: ٧٨، ٧٩] الآيات.
وقد رد الله تعالى عليهم أبلغ رد، فقال: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا، أى يبعثهم بعد الموت، فإن لفظة بَلى إثبات لما بعد النفى. ثم قال: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا