الموضع الثانى من سورة الحج:
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج: ٥].
ساق الله تعالى خلق الإنسان هنا دليلا على البعث، وفى سورة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: ١]، ساقه سبحانه دليلا على وجوده، فقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون: ١٢]، إلى قوله: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون: ١٤].
فخلق الإنسان فى أطواره المذكورة كما يصلح دليلا على وجود الخالق وتوحيده، يصلح أيضا دليلا على البعث كما يأتى:
فالآية تقول: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ [الحج: ٥]، أى شك وتهمة وحاجة إلى البيان، فتفكروا فى خلقتكم الأولى، لتعلموا أن القادر على خلقكم أولا قادر على خلقكم ثانيا.
ثم إنه ذكر مراتب الخلقة الأولى أمورا سبعة هى:
المرتبة الأولى: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ [الحج: ٥]، أى أنشأناكم بقدرتنا التى لا يتعاظهما شىء، مِنْ تُرابٍ لم يسبق له اتصاف بالحياة. وفى الخلق من تراب وجهان:
أحدهما: إنا خلقنا أصلكم، وهو آدم، عليه السلام، من تراب، كما قال الله تعالى:
كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آل عمران: ٥٩].
الثانى: من الأغذية، والأغذية إما حيوانية، وإما نباتية، وغذاء الحيوان ينتهى إلى النبات قطعا للتسلسل، والنبات إنما يتولد من الأرض والماء، فصح قوله: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ [الحج: ٥].
المرتبة الثانية: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [الحج: ٥]، وحالها أبعد شىء عن حال التراب، فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية، كما قال تعالى: مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق: ٦].


الصفحة التالية
Icon