محاجة القرآن لليهود:
قال الله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٤٠ - ٤٢].
بنو إسرائيل: بنو إسرائيل هم اليهود خاصة، وإن كانت الكلمة بأصل وضعها تشمل اليهود والنصارى، من حيث إن إسرائيل لقب يعقوب، عليه السلام، فمعنى إسرا بالعبرانية عبد، وإيل الله، فمعناه عبد الله، وقيل: صفوة الله، ولا شك أن النصارى من أبنائه، وهم فى الأصل قوم من اليهود آمنوا بعيسى، عليه السلام.
ودليل هذا الاستعمال أن القرآن حين قال هنا: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [البقرة: ٤٠]، ذكر ما أنعم على أسلافهم من فلق البحر، وإنجائهم من فرعون، وغير ذلك من النعم التى لم تعرف إلا عند اليهود، دون النصارى، كذلك قال تعالى فى سورة المائدة: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة:
١٢]، إلى أن قال: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة: ١٤]، ثم جمعهما فى خطاب واحد بعد ذلك حيث قال جل شأنه: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ [المائدة:
١٥]، وكذلك قال فى هذه السورة أيضا: لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة: ٧٠]، ثم قال بعد ذلك: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: ١٧]، ثم جمعهما فى خطاب واحد، فقال: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء: ١٧١].
وهؤلاء اليهود خصهم الله تعالى بالذكر، وطالبهم بالإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأتى لهم بأدلة خاصة تلزمهم بعد أن أدخلوا فى عموم الخطاب السابق فى قوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة: ٢١]، وذلك لما لهم من العلم والإيمان بالتوراة، فالخطاب فى قوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ [البقرة: ٤٠] لعلماء اليهود، بقرينة قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة: ٤١]، أى لا تكونوا أئمة فى الكفر