ومن هذا الحديث نفهم أن الفاتحة هى مناجاة بين الله وبين عبده، وليس للميت فيها شىء تفيده أو تضره.
الميت لا ينفعه إلا عمله: أما الذى يفيد الميت وينفعه، هو أعماله وسعيه فى الدنيا، وذلك كما يقول المولى جل شأنه: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى [النجم: ٣٩ - ٤١]، كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: ٣٨]، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران: ٣٠]، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: ٧، ٨].
فهذه كلها نصوص تشهد بأن الميت لن ينتفع إلا بعمله وسعيه فى الدنيا؛ لأنها دار عمل، وبموته انقطع عمله، وليس له من عمل سوى ما بينه حديث النبى صلى الله عليه وسلم.
سوء استعمال القرآن: ولقد أساء كثير من المسلمين استعمال آيات القرآن، فهم يستأجرون المشايخ ليقرءونه فى المآتم، وعلى قبور الموتى؛ لجلب الرحمة والغفران لهم، ويضعون القرآن فى بيوتهم فى مجلد فاخر ليحفظ البيت من العفاريت، أو شبح الفقر، أو ليدفع عن العائلة شر الحاسدين، أو يعلقونه على أبواب المحلات التجارية أو الصناعية، أو بسيارتهم بقصد جلب الرزق ودفع الكساد عنهم، ويعلقونه فى شكل حجاب بجسم المريض ليشفيه، أو بجسم طفل وحيد أبويه ليحفظه من المرض، أو من عيون الحاسدين، أو ليطيل عمره؛ لأن من سبقوه من إخوته ماتوا أطفالا.
على هذا النحو السيئ يستعمل أكثر المسلمين آيات القرآن الكريم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، مع أن الإسلام ينكر هذه العادات الذميمة، ويأمر بتركها، كما جاء فى كثير من الأحاديث النبوية.
حديث: «خذ من القرآن ما شئت لما شئت»: أما هذا الحديث، فلا أصل له، وهو مبتدع، حتى أنه لم يرد له ذكر فى كتب المحققين الذين بينوا لنا الأحاديث الصحيحة والمكذوبة والموضوعة، ويكفى هذا دليلا دامغا قويّا على أن هذا الكلام المنسوب لرسولنا ﷺ ابتدعه تجار القرآن؛ ليكون لهم مورد رزق ومصدر عيش؛ لأنهم وجدوا فى هذا العمل حياة سهلة وناعمة، لا عمل فيها، ولا جهد، ولا عرق.