حكى الإجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة. وذهب فريق آخر من العلماء إلى أنها واجبة عند ابتداء القراءة وحكى الرازى عن عطاء بن رباح ذلك، واحتج بظاهر الأمر فى الآية (١).
قلت: والصواب ما قاله الجمهور من أن الأمر بالتعوذ فى الآية أمر ندب وليس بواجب، والذى صرفه عن الوجوب- حيث أن كل أمر من الشارع يقع موقع الوجوب إلا إذا صرفه صارف- والصارف عن الوجوب هنا هو حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أظهرنا فى المسجد، إذا أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسما قلنا: ما أضحكك يا رسول الله. قال: «لقد أنزلت علىّ آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ثم قال: «أتدرون ما الكوثر... الحديث» (٢).
والشاهد: أنه صلّى الله عليه وسلم لم يستعذ ولو كانت الاستعاذة واجبة لما تركها.
وعن كون الاستعاذة هل هى قبل التلاوة أو بعدها؟ قالت طائفة من القراء وغيرهم، يتعوذ بعد القراءة واعتمدوا على ظاهر سياق الآية، والمشهور (٤) الذى عليه الجمهور
أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها ومعنى الآية عندهم (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشّيطان الرّجيم) أى: إذا أردت القراءة كقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ (٣) أى إذا أردتم القيام. والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
ذلك لأن المقصد من الاستعاذة عند ابتداء القراءة. لئلا يلبّس الشيطان على القارئ قراءته ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر، كما أن فيها تمهيدا للجو
(٢) أخرجه أحمد فى مسنده (ج ٣ ص ١٠٢)، مسلم بشرح النووى (ج ٤ ص ١١٣) واللفظ لمسلم.
(٤) المشهور: أى المعروف والذائع.
(٣) المائدة: ٦.