وهكذا كانت صفة قراءته صلّى الله عليه وسلم والتى علمها أصحابه- رضى الله عنهم- فكان يتعاهدهم بإسماعهم القراءة أحيانا، وبالاستماع لهم أحيانا أخرى، ومن هؤلاء النفر من الصحابة من أتقنوا القراءة حتى صاروا فيها أعلاما يقتدى بهم، ويؤخذ عنهم كأبى بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعلى بن أبى طالب ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبى حذيفة وغيرهم.
وبدأ الناس يتعلمون القراءة منهم، وتواتر تلقى القرآن عن طريق المشافهة، وصارت قراءة القرآن سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، وقد ثبت عن زيد بن ثابت قوله: «القراءة سنة... » (١).
فعن موسى بن يزيد الكندى- رضى الله عنه- قال: كان ابن مسعود- رضى الله عنه- يقرئ رجلا، فقرأ الرجل: «إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين» مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال الرجل: وكيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أقرأنيها هكذا: «إنّما الصّداقات للفقراء والمساكين» ومدها (٢).
وهكذا أنكر ابن مسعود- رضى الله عنه- على الرجل أن يقرأ كلمة (الفقراء) بالقصر لأن النبى صلّى الله عليه وسلم قرأها وأقرأه إياها بإطالة الصوت عند الألف، وهو من حروف المد الثلاثة مع الواو والياء.
وصفة القراءة التى سبق الإشارة إليها، والتى تلقاها النبى صلّى الله عليه وسلم عن أمين الوحى جبريل عليه السلام. وكان يعارضه إياها فى كل عام مرة، وفى العام الذى توفى فيه مرتين، والتى أقرأها أصحابه- رضى الله عنهم- وعلمهم إياها، وحثهم على تعلمها، والقراءة، والإقراء بها.

(١) أخرجه سعيد بن منصور فى سننه عن زيد بن ثابت (ج ٢ ص ٢٦٠) بتحقيق د. سعد بن عبد الله وصححه، كذا صححه الحاكم ووافقه الإمام الذهبى.
(٢) هذا الأثر ذكره السيوطى بسنده (ج ٣ ص ٢٥٠) فى الدر المنثور وقال أخرجه سعيد بن منصور والطبرانى وابن مردويه.


الصفحة التالية
Icon