ومن تأثير هذا القرآن العجيب فى النفوس ووقعه الهائل على القلوب أن تأثيره لا يقتصر على المؤمنين به فحسب، بل يتعداه لغيرهم. وكم سمعنا ورأينا الداخلين فى دين الله أفواجا بفعل عمل القرآن فى قلوبهم، وقوة سلطانه الذى لا يتحمله الجبل- لولا تثبيت الله له- فضلا عن هذا القلب البشرى. وها هم أولاء مشركو قريش، قد ضربوا لنا المثل على وقع كتاب الله على قلوبهم- رغم كفرهم- والنماذج على تقرير هذه الحقيقة كثيرة، لا يسع المقام لسردها جميعا. أذكر منها على سبيل المثال:
* حادثة سجود المشركين مع المسلمين، عند ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سورة (النجم) فلما كان عند آخر آية منها وهى قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا لم يتمالك المشركون أنفسهم. ومن ثم سجدوا، سجدوا وهم مشركون، وهم يمارون فى الوحى والقرآن، وهم يجادلون فى الله ورسوله، إنما سجدوا تحت وطأة القرآن، وسلطانه على الوجود (١).
وعن جبير بن مطعم قال: «سمعت النبى صلّى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية «أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون» كاد قلبى أن يطير» (٢). وكان جبير إذ ذاك مشركا فكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول فى الإسلام بعد ذلك.
* وإنه لمن عظيم نعم الله علينا أن هيأ لنا فى هذه الأيام مع تقدم العلم الحديث فرصة أوسع لخدمة كتاب الله من حيث سهولة استماعه عى المذياع، والمسجل.
ولعل الله يقيض لهذه الأمة أمر رشد. فتكون هناك قناة تليفزيونية للقرآن الكريم بدلا من اللغو، واللهو الذى يبث فى البيوت على مدار الساعة. والذى صرف الناس عن دينهم حتى صارت مزامير الشيطان احب إليهم من استماع سور القرآن.
فلما انصرفوا صرف الله قلوبهم عن فهم كتابه. فلا يجتمع بهتان الشيطان، وقرآن
(٢) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج ٨ ص ٦٠٣).