الدين ثم تمكّنه وتملّكه من قلوبهم فضربوا بذلك أروع الأمثلة لجيل لم يشهد له التاريخ مثيلا، فتح الله بهم مشارق الأرض ومغاربها فرضى الله عنهم ورضوا عنه.
لكن الناظر فى حال أمة القرآن فى هذه الأزمنة يجدها بعيدة كل البعد عن هدى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فقد هجر القرآن أنواعا شتى من الهجر، بداية من هجر قراءته وسماعه، مرورا بهجر تدبره وتفهمه والعمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وانتهاء بهجر تحكيمه والتحاكم إليه، وقد جاء ليكون منهاج حياة ليقود الأمة إلى طريق أقوم، لذا فإن أعظم جريمة على وجه هذه الأرض وأكبر كبيرة على ظهر هذه الأرض أن ينحّى كتاب الله.
قال تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (١) فلا صلاح لهذه الأرض ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا تناسق مع سنن الكون إلا بالرجوع إلى كتاب الله ولن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به عليه أولها، ولقد كان صلاح حال أول هذه الأمة هو التزامهم كتاب الله- عز وجل- وتمسكهم به تلاوة وفهما وعملا.
لذا كان هذا الكتاب- فقه قراءة القرآن الكريم- والذى آمل أن يفتح الله به آفاقا واسعة لفهم كتاب الله وماذا أراد الله به منا.
ولقد اشتمل هذا السّفر على أبواب ثلاثة، عرضت فى الباب الأول منها لأمور مهمة يحتاج كل مسلم إلى معرفتها عن القرآن الكريم ليكون عند قراءته لهذا الكتاب العزيز على علم به، وفهم له. تبعه الباب الثانى والذى نظمت فيه هدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى قراءة القرآن وعند استماعه وتوابع ذلك ليكون هديه صلّى الله عليه وسلم نموذجا يقتدى به المسلم ويستعين به على فهم كتاب الله، وتلاوته حق التلاوة، تلاوة ينعكس أثرها فى العمل والسلوك. أخيرا الباب الثالث والذى أشرت فيه لطرف من فضائل القرآن وفضائل أهله العاملين به المتمسكين بأمره المجتنبين لنهيه فكانت

(١) الفرقان: ٣٠.


الصفحة التالية
Icon