«هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد، والإبراق والإرعاد، أمر عظيم وخطب غليظ، ومن ثم روي عن ابن عباس ما روي من أنّ توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة، وعن سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا، قالوا: لا توبة له، وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنّة الله في التغليظ والتشديد، وإلا فكل ذنب ممحوّ بالتوبة، وناهيك بمحو الشرك دليلا، وفي الحديث (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم) وفيه (لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب لأشرك في دمه) وفيه (إن هذا الانسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيانه). وفيه (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله). والعجب من قوم يقرءون هذه الآية ويرون ما فيها، ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة وقول ابن عباس بمنع التوبة، ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة، واتباعهم لهواهم، وما يخيل إليهم مناهم، أن يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (١).
فإن قلت: هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما بين الدليل وهو تناوله له قوله (ومن يقتل) أي قاتل كان، من مسلم أو كافر، تائب أو غير تائب، إلا أن التائب أخرجه الدليل، فمن ادّعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله). (٢)
وهو بهذا التفسير، إنما يتيه على خصومه من أهل السنّة نصرة لمذهبه، ويندد حيث يقولون بجواز مغفرة الذنب وإن لم يتب منه صاحبه، وبأن صاحب الكبيرة لا يخلد في النار.

(١) سورة محمد (صلى) ٢٤
(٢) الكشاف ج ١


الصفحة التالية
Icon