وصونها عن اللحن والخطأ، ولهذا المعنى حظيت هذه التحسينات بموافقة سائر علماء القراءة والمشتغلين بخدمة القرآن الكريم من الأمة، وفق ما قرره النووي في التبيان:
«قال العلماء: يستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللّحن فيه، وتصفية له من الغلط، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط؛ فإنما كرهاه في ذلك خوفا من التغيير فيه؛ وقد أمن ذلك، ولكونه محدثا، فإنه من المحدثات الحسنة، فلا يمنع كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك» (١).
ولكن هذا القبول من الأمة لمنهج التحسين؛ لا يلغي مسئولية القرّاء والعلماء التي تعاظمت إثر ذلك، فأصبح كثير من المتواتر من القراءات لا يمكن أن يدلّ له الرسم القرآني، إذ إن أي تحسين في الرسم يتضمن في الوقت ذاته قيدا جديدا على الرسم؛ يحول دون إمكان دلالته على الوجوه الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن المصاحف المطبوعة اليوم أربعة؛ وهي: مصحف حفص، ومصحف قالون، ومصحف ورش، ومصحف الدوري، وهي منقوطة ومشكولة بما يوافق رواية كلّ منهم، وكذلك فإن التحسينات التي طرأت على رسم هذه المصاحف إنما تتجه إلى ضبط رواية الإمام المقصود، وهو يعني غياب الوجوه الأخرى التي قرأ بها الرّواة التسعة عشر الباقون، مما خالفوا فيه الإمام صاحب الرواية. وقد التزمت هذه الدراسة ما يتصل بمصحف حفص؛ إذ هو أكثر المصاحف شيوعا في العالم الإسلامي اليوم.
ويجب أن نؤكد مرة أخرى أن رواية حفص ليست أولى بالقبول من سواها إذ الكل هنا متواتر، ولا يقال إن بعضه أوثق من بعض، وإنما شاعت القراءة برواية حفص بدءا من أول هذا القرن حينما نشطت حركة طباعة المصاحف من مصر وتركيا اللتين كانتا تقرءان بقراءة عاصم من رواية حفص.
وقد تبين لي أن عامة المصاحف التي خطّها أهل الشام حتى القرن الماضي، والتي لا تزال