قوله تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (١) [الأنبياء: ٢١/ ٨٧].
الظاهر فيها أن ذا النّون عليه السلام ظنّ أنه أعجز الله بهربه، فدفع هذا التّوهم بالقراءة المتواترة: فظن أن لن يقدر عليه (٢)، أي من قبل قومه.
وتجد لذلك أمثلة كثيرة حين تخوض في الباب الآتي المخصص لأثر القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية.
ولكن يرد هنا سؤال: هل يتعيّن هنا أن نأخذ بالقراءة المتواترة المجلية للتّوهم، ونطرح القراءة المتواترة الأولي التي ينشأ منها التّشابه؟
والجواب: إن هذا لا مساغ له البتة، وقد بسطنا القول في صدر هذه الرسالة في وجوب اعتقاد المتواتر كله تنزيلا إلهيّا، ولكن تقبل القراءة التي جلا فيها المعنى على أنها آية محكمة، وتقبل القراءة التي خفي فيها المعنى على أنها من المتشابه الذي يفوض علمه إلى الله تعالى.
هذا وإن علماء التفسير لم يسلّموا لآية بعينها بأنها من المتشابه، بل جرت أقلامهم في تفسير سائر التنزيل، وحملوه على وجوه يدفع فيها التناقض، بوسائل مختلفة من الخبر واللغة والرأي، وهو ما تجده في ثنايا هذه الدراسة.
(٢) وهي قراءة يعقوب.