ثم اشتدّ الطبري في الإنكار على من قرأ بالفتح فقال: وزعموا أن ابن مسعود قرأ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ بفتح أنه، وكسر إن؛ من: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ على معنى إعمال الشهادة في أن الأولى، وأن الثانية مبتدأة، فزعم أنه أراد بقراءته إياهما بالفتح جمع قراءة ابن عباس، وابن مسعود، فخالف بقراءته ما قرأ من ذلك على ما وصفت جميع قرّاء أهل الإسلام، المتقدمين منهم والمتأخرين، بدعوى تأويل على ابن عباس، وابن مسعود، زعم أنهما قالاه، وقرآ به (١).
ثم أنكر إسناد القراءة إلى ابن عباس، وابن مسعود، فقال: وغير معلوم ما ادّعى عليهما برواية صحيحة ولا سقيمة، وكفى شاهدا على خطأ قراءته خروجهما من قراءة أهل الإسلام (٢).
ثم جزم بوجوب القراءة بالكسر فقال: والصواب- إذا كان الأمر على ما وصفنا من قراءة ذلك- فتح الألف من (أنه) الأولى، وكسر الألف من (إن) الثانية (٣).
وإنما بسطنا القول عن شيخ المفسرين الإمام الطبري ليتبين حرصهم واشتغالهم بتحقيق القراءة الصحيحة، ولو في الجزئيات التي لا ينبني عليها خلاف ذو معنى.
وقد سبق القول إن إنكار الإمام الطبري لقراءة متواترة؛ إنما منشؤه عدم ثبوت تواتر إسنادها عنده كما صرّح، فقد كان غالب نهج الطبري إذا أشار إلى ورود قراءتين ثبت لديه تواترها أن يقول: والقول عندي أن كلا القراءتين متواتر، والحكم بهما جميعا (٤).
ولو أن ابن مجاهد سبق الطبري (٥)، وقدم ما اجتمع لديه من أسانيد قراءة الكسائي لجزم الطبري بالمتواتر، والتمس لوجوه التأويل كما صنع في مثيلات هذا المقام (٦).
(٢) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(٣) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(٤) انظر مثلا ما ذهب إليه من قبول قراءة: ولولا دفع الله الناس، ولولا دفاع الله الناس، إذ قال: والقول عندي إنهما قراءتان متواترتان قرأت بهما القرّاء، وجاءت بهما جماعة الأمة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر. جامع البيان للطبري، ٢/ ٤٠٤.
(٥) توفي الطّبري عام ٣١٠ هـ، بينما توفي ابن مجاهد عام ٣٢٤ هـ.
(٦) انظر صنيع الطبري في نظائر ذلك مما اختلف فيه القرّاء، وقد أحلنا عليه مرارا في نظائر ذلك.