المسألة السادسة:
قوله تعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التّوبة: ٩/ ٤٠].
قرأ سائر القرّاء: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا على الاستئناف.
وانفرد يعقوب بالقراءة بالفتح: (وكلمة الله هي العليا) على العطف (١).
وضمّ القرطبي إلى يعقوب الأعمش في اختيار قراءة النّصب، ولكنه نقل عن الفرّاء استنكاره لذلك من جهة اللغة (٢)؛ إذ لا تقول العرب: أعتق زيد غلام أبي زيد، بل تقول:
أعتق زيد غلام أبيه. وتمام الفصاحة أن يقال: وكلمته هي العليا.
ولكن التصريح في هذا المقام باسم الله أبلغ، وهو عادة القرآن العظيم فيما له مقام تشريف، أو موجب تنبيه؛ كما في قوله سبحانه: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها [الزّلزلة: ٩٩/ ١ - ٢]، فكرر ذكر الفاعل مع أن في الضمير غنية، وكذلك قوله: حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها [الكهف: ١٨/ ٧٧]، فكرر ذكر الأهل مع أن في إيراد الضمير غنية. ومثل ذلك ما أنشد لسيبويه:

لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٣)
وهذا الاحتجاج، وردّه من باب تحصيل الحاصل محمول على عدم ثبوت تواتر القراءة عند المنكرين، وإلا فإنه بعد ثبوت تواتر القراءة ليس للكلّ إلا التّسليم بجواز القراءة بها، وضبط قواعد العربية عليها، وليس العكس.
(١) تقريب النشر لابن الجزري، ١٢٠.
وعبارة الطيبة:
... /... /... /.. ظبي كلمة انصب بانيا ولم يأت الشاطبي على ذكر هذه القراءة لأنه اقتصر على السبع.
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ٨/ ١٤٩.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ٨/ ١٤٩.


الصفحة التالية
Icon