المسألة الثالثة عشرة:
قوله تعالى: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الجن: ٧٢/ ٢٨].
قرأ رويس: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم).
وقرأ سائر الباقين: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ (١).
فالفعل عند رويس مبني للمجهول، وقد قرأ بذلك من السلف الزهري، وابن أبي عبلة (٢)، والمراد أن الله سبحانه يسلك الرسل مسلكهم ليعلم من أراد الله له أن يعلم أن الرّسل قد أبلغوا رسالات ربّهم فلم يكتموها.
وأما قراءة الباقين فهي على المبني للمعلوم، وهو أقرب مذكور- أي الرسول- فيعلم أن الرّسل من قبله قد أدّوا الرسالة كما أراد الله عزّ وجلّ، وأن جبريل قد أبلغه رسالة ربّه، وأن الله يحفظ الوحي ليؤديه الأنبياء.
ولم أجد لدى المفسرين من رفع الضمير هنا إلى الله سبحانه إلا عزوا عزاه القرطبي إلى الزجاج (٣)؛ قال: أي ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته، كقوله تعالى: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، والمعنى هنا: ليعلم الله ذلك علم مشاهدة كما علمه غيبا.
ويمكن أن يقال: إن الله سبحانه يكشف بعض الغيب لرسله ليعلم صدقهم، وليعلم الله امتثالهم.

(١) تقريب النّشر لابن الجزري ١٨٤. وعبارة طيبة النّشر:
............... ليعلم اضمما غنا..................
(٢) روح المعاني للآلوسي ٢٩/ ١٠٠.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٩/ ٣٠، وانظر التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي ٢٩/ ١٨٦.


الصفحة التالية
Icon