وقد اجتمع المعنيان جميعا في حديث واحد، وهو ما أخرجه ابن جرير الطبري عن قتادة، وعزاه السيوطي إلى أبي داود في ناسخه عن ابن عباس قال: «كانت الآية تنسخ الآية، وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة، وما شاء الله من السورة، ثم ترفع فينسها الله نبيّه، فقال الله يقصّ على نبيّه: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي» (١).
وللعلامة الآلوسي اختيار ينتهي به إلى اتّحاد القراءتين في المعنى؛ يقول: «وقرئ:
ننسأها، وأصله من نسأ بمعنى آخر، والمعنى نؤخرها في اللوح المحفوظ، فلا ننزلها، أو نبعدها من الذهن بحيث لا يتذكر معناها، ولا لفظها، وهو معنى ننسها، فتتّحد القراءتان» (٢).
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن النّسخ جائز عقلا، وواقع سمعا، وقد أنكرته على النّبي صلّى الله عليه وسلّم طائفة من اليهود، فنزلت آية النّسخ في الرّدّ عليهم (٣).
وقد اتّفق السّلف على وقوعه لم ينكر ذلك أحد، لكن نقل عن أبي مسلم الأصفهاني (٤) إنكاره لوقوع النّسخ في القرآن، واحتجّ لذلك بأدلة ثلاثة:
الأول: إن الله عزّ وجلّ قال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصّلت: ٤١/ ٤٢]. قال: فلو جاز النّسخ لجاز أن يأتيه الباطل.
الثاني: إن النّسخ الذي تشير إليه الآية هو نسخ الإسلام للشرائع السابقة، لا نسخ القرآن بعضه لبعض.
الثالث: أن الآية لا تزيد دلالتها على أن النّسخ لو وقع لأدّى إلى خير منه، ولكنه لم يقع (٥).
(٢) تفسير روح البيان للآلوسي ١/ ٣٥٢.
(٣) انظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري ٨٤.
(٤) أبو مسلم الأصفهاني، هو محمد بن بحر الأصفهاني، كاتب، متكلم، مفسّر، محدّث، نحوي، شاعر، من آثاره: جامع التأويل لمحكم التنزيل في التفسير على مذهب المعتزلة في (١٤) مجلدا، الناسخ والمنسوخ، وكتاب في النحو. معجم المؤلفين ٩/ ٩٧.
(٥) العمدة في بسط آراء أبي مسلم والإجابة عليها من اختيار الرازي الجصاص في تفسيره، ١/ ٦٨.