وقال: «معرفة هذا الباب أكيدة، وفائدته عظيمة، لا تستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء» (١).
ثم إن النّسخ صورة واضحة لمرونة هذا الدين، ومسايرته لشتى أحوال الناس في انتقالهم وترقيهم، وهو بحق مفخرة من مفاخر التشريع الإسلامي، ودليل أكيد على صلاحيته لكل زمان ومكان.
ولدى ثبوت تواتر القراءتين؛ فإنه يلزم الاعتقاد أن القرآن العظيم يطرأ عليه نسيان وإنساء- تأخير- وذلك كله بأمر الله وحكمته.
ويلزم الاعتقاد أن الناسخ والمنسوخ جميعا قديم في علم الله عزّ وجلّ، وإنما هي مسائل أظهرها المولى سبحانه في آجالها، ولا يقال: إنها بدت له بعد أن لم تكن بادية، بل هي في علمه سبحانه قديمة، وفي اطّلاع الناس عليها طارئة عليهم.
ويلزم الاعتقاد كذلك أن ما يطرأ من النسيان على النّبي صلّى الله عليه وسلّم من هذا الباب ليس مردّه إلى خلل في التّبليغ، بل هو محض إرادة إلهية قديمة، قضاها الله سبحانه ووقّتها في آجالها.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة: ٢/ ١١٩].
قرأ نافع، ويعقوب: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) (٢)، وقرأ الباقون: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ.
فهي في القراءة الأولى ناهية جازمة، وفي الثانية نافية، وقد احتجّ أبو زرعة للفريقين،
(٢) سراج القاري لابن القاصح ١٥٦. وعبارة الشاطبية التي تبين اختيار نافع:
وتسأل ضموا الفاء واللام حركوا | برفع خلودا وهو من بعد نفي لا |
............ وتسئل حوى، والضم والرفع أصلا