الساعة غيركم، وأنزلت هذه الآية: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ حتى بلغ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١).
وكذلك فإن السياق ظاهر في هذه الدلالة؛ وهي أن الذين دخلوا في الإسلام منهم هم المعنيون بالخطاب، فبعد أن ذكر سبحانه خبر مؤمني أهل الكتاب في هذه الآية عقّب فورا بذكر كافريهم فقال: وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢).
وهذا المعنى هو ما اختاره ابن العربي، بل نقل الإجماع عليه فقال: وقد اتّفق المفسّرون أنها نزلت (٣) في من أسلم من أهل الكتاب، وعليه يدلّ ظاهر القرآن، ومفتتح الكلام نفي المساواة بين من أسلم منهم، ومن بقي منهم على الكفر، إلا أنه روي عن ابن مسعود أن معناه نفي المساواة بين أهل الكتاب وأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقد روي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن سلام، ومن أسلم معه من أهل الكتاب، وقوله: لَيْسُوا سَواءً تمام كلام، ثم ابتدأ الكلام بوصف المؤمنين بالإيمان والقرآن والصلاة، وهذه الخصال هي من شعائر الإسلام، لا سيما الصلاة وخاصة في الليل وقت الراحة. وقيل: إنّها الصلاة مطلقا. وقيل: إنّها صلاة المغرب والعشاء الآخرة.
قال ابن مسعود: خرج النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة وقد أخّر الصلاة فمنّا المضطجع، ومنّا المصلّي، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم إنه لا يصلي أحد من أهل الأرض هذه الصلاة غيركم. والصحيح أنه في الصلاة مطلقا، وعن أبي موسى عنه عليه الصلاة والسلام: ما من أحد من النّاس يصلّي هذه الساعة غيركم. وهذه في العتمة تأكيد للتخصيص وتبيين للتفضيل.
وهكذا فإنه هنا أشار إلى أن المخاطبين بالثناء في هذه الآية إنما هم من أسلم من أهل الكتاب، وقد أخبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن عظيم أجرهم فقال: «ثلاثة لهم أجران، ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين:
رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فآمن به، واتّبعه، وصدّقه، فله أجران،
(٢) انظر هذا الإيضاح في تفسير القرطبي، ط دار الكتاب العربي ٤/ ١٧٦.
(٣) تجدر الإشارة هنا إلى أن ابن العربي لم يخض في أمر تفاوت القراءتين الذي نتحدث عنه بل لم يتعرض للآية أصلا، إنما ينتصر للقول بأن الآيات هنا في مجملها نزلت في مؤمني أهل الكتاب.