وقال آخرون: (معنى ذلك: وما كان لنبيّ أن يتّهم بالغلول) قال الفراء: (يغلّ أي يسرق ويخوّن، أي ينسب إلى الغلول يقال: أغللته أي نسبته إلى الغلول. وقال آخرون: ما كان لنبي أن يغلّ) أي يلفى غالّا أي خائنا. كما يقال: (أحمدت الرجل) إذا وجدته محمودا (١).
وثمرة الخلاف:
أن القراءة الأولى نفت الغلول عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو معلوم من الدين بالضرورة، إذ يجب للأنبياء الأمانة والصدق.
أما القراءة الثانية فقد نفت الغلول عن أصحاب الأنبياء، أو قل: نفت إمكانية الغلول من أصحاب الأنبياء ثم حذف الفاعل، وأسند إلى ما لم يسمّ فاعله.
وهل هو أمر تكويني أو تكليفي؟ الظاهر أنه تكويني إذ (ما) هنا نافية، متضمن معنى التكليف.
وليس بين القراءتين تضادّ، والجمع بينهما ممكن بدون اعتساف، إذ كل واحدة أفادت معنى جديدا، والله تعالى أعلم.
وما ورد من إنكار ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد (٢)، وغيرهم لقراءة (أن يغل) على المبني للمجهول، فهي محمولة على عدم ثبوت تواترها لديهم، ولو ثبت تواترها لم يحل لهم أن ينكروها.
وعبارة مجاهد: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ: (وما كان لنبيّ أن يغلّ)، ويقول:
كيف لا يكون له أن يغل، وقد كان له أن يقتل، قال الله: وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ولكن المنافقين اتّهموا النّبي صلّى الله عليه وسلّم في شيء من الغنيمة فأنزل الله: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ (٣) تبرئة للنّبي صلّى الله عليه وسلّم.
...... وضم في... يغل وفتح الضم إذ شاع كفلا
ولم يأت ابن الجزري في الدّرة على ذكر خلاف الثلاثة، فدلّ على أنهم قرءوا قراءة الجمهور.
(٢) الدّر المنثور للسيوطي ٢/ ٩١، ط دار الكاتب العربي.
(٣) المصدر نفسه.