المسألة السابعة:
قوله تعالى: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة: ٥/ ١١٢].
وقرأ الكسائي: (هل تستطيع ربّك) (١). وقرأ الباقون: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ (٢).
وتوجيه قراءة الكسائي: هل تقدر يا عيسى أن تسأل ربك؛ لأنهم كانوا مؤمنين، وقد أثنى الله عليهم، وأوحى إليهم (٣)، كما في قوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي [المائدة: ٥/ ١١١]، وكانت عائشة تقول: كان القوم أعلم بالله من أن يقولوا: (هل يستطيع ربك) إنما قالوا: (هل تستطيع ربّك) (٤).
واحتجّ أبو زرعة لاختيار الكسائي بقوله: الله تعالى سمّاهم حواريين، ولم يكن الله ليسميهم بذلك وهم برسالة رسوله كفرة.
قال أهل البصرة- يريد الكسائي وأصحابه- المعنى: (هل تستطيع سؤال ربك) فحذف السؤال، وألقى إعرابه على ما بعده فنصبه كما قال: واسأل القرية، أي أهل القرية (٥).
والمراد أنهم حين ذكروا الاستطاعة أرادوا بها الاحتجاج للسيد المسيح عليهم، كأنهم قالوا:
انظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ٢٤٩.
(٢) سراج القاري لابن القاصح العذري ٢٠٥. وعبارة الشاطبي:
وخاطب في هل يستطيع رواته | وربك رفع الباء بالنصب رتلا |
(٣) لا جدال في التصريح بأن الله أوحى إلى الحواريين، لقوله سبحانه: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ ولكن ما طبيعة هذا الوحي؟ ثمة تأويلان: الأول: أوحى إليهم عن طريق رسله. الثاني: أوحى
إليهم وحي إلهام. كما في قوله سبحانه: وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه.
(٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/ ٣٦٤.
(٥) حجة القراءات لأبي زرعة ٢٤٠.