وقد أنكر الزمخشري في الكشاف ذلك كله، وقال: إنهم قالوا ذلك لفساد عقيدتهم ونصه في ذلك: إن الله ما وصفهم بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما، ثم أتبعه قوله: إذ قالوا، فآذن أن دعواهم كانت باطلة، وأنهم كانوا شاكّين، وقولهم: (هل يستطيع ربك) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربّهم (١).
وثمرة الخلاف:
أن المؤمن قد يسأل الله سبحانه وتعالى بعض آيات قدرته وهو مؤمن، ليزداد إيمانا، ولا يطعن ذلك في شيء من إيمانه، وقد سبق إلى ذلك الخليل إبراهيم، والحواريّون الكرام.
ودلّت قراءة الجمهور على جواز سؤال الله عزّ وجلّ آياته بلفظ الاستطاعة، وهو ما قرره ابن العربي القاضي المالكي المفسّر حيث أدخل اسم المستطيع في أسماء الله تعالى وقال: لم يرد به كتاب ولا سنة اسما، ولكن ورد فعلا (٢)، وذكر قول الحواريين: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ.
وذلك على اختيار القرطبي في تفسيره، بأن ذلك لم يصدر من الحواريين عن جهل بالله عزّ وجلّ، بل عن علم ومعرفة، ولم ينكر الذكر عليهم سؤالهم، وهي مسألة اعتقاد لا تختلف فيها الشرائع (٣).
وأما قراءة الكسائي فلا تدلّ على هذا المعنى، وغايتها إضمار ما عادته الإظهار؛ أي: هل تستطيع أن تدعو ربّك.
وكما ترى فإن القراءتين أفادتا معنيين مختلفين، ولكنهما غير متنافرين، والله تعالى أعلم.

(١) الكشاف للزمخشري ١/ ٦٥٤.
(٢) كذا نقل القرطبي عن القاضي ابن العربي المالكي في الجامع ٦/ ٣٦٥. ولكنني تعقبت تفسير ابن العربي أحكام القرآن، فلم أجد لذلك ذكرا عند هذه الآية في المائدة، وتعقبته كذلك في الجزء الثاني صفحة ٨٠٨، حيث عقد فصلا خاصّا لاستقصاء الأسماء الحسنى عند قوله سبحانه: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها فعدّ منها مائة وثلاثة وأربعين اسما، ولم يأت فيها على ذكر اسم المستطيع! ولست أدري من أين نقل عنه القرطبي ذلك.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/ ٣٦٥.


الصفحة التالية
Icon