فيكون في قراءة يعقوب زيادة مزية للأنصار، وهي أن سائر الأنصار مشمولون بالرضوان والجنة.
وقد رويت قراءة يعقوب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقرأ (والأنصار) عطفا على (والسّابقون) (١).
وعلى قراءة الخفض فإن السابقين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلّوا إلى القبلتين كما اختاره سعيد بن المسيب، أو الذين شهدوا بيعة الرضوان عام الحديبية في قول الشعبي، أو أهل بدر في قول محمد بن كعب، وعطاء بن يسار (٢).
على أن شمول الأنصار بالرضوان والجنة كما دلّت عليه قراءة الرفع لا يعني استواءهم في المنزلة والقرب، فقد صرح القرآن بأنهم ليسوا سواء، كذلك يقتضي العدل، ويشهد العقل؛ قال الله عزّ وجلّ: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا، وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: ٥٧/ ١٠].
ومعلوم أن الأنصار ركن الإسلام، وهم الذين آووا ونصروا، وهم الذين شملتهم دعوة النّبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «اللهم ارحم الأمصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار».
وقد أفاضت كتب الحديث في استقصاء الروايات الكثيرة التي ورد فيها فضل الأنصار ومنزلتهم، ومما أخرجه إمام المحدثين البخاري من ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أنّ الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار»، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما ظلم- بأبي وأمي- آووه ونصروه (٣).
وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (٤).

(١) فتح القدير للشوكاني ٢/ ٣٩٨.
(٢) المصدر نفسه ٣٩٨.
(٣) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ٧/ ١١٢.
(٤) المصدر نفسه ١١٣.


الصفحة التالية
Icon