المسألة العاشرة:
قوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [يوسف: ١٢/ ١١١].
اعلم أن المفسرين متفقون في صرف رواية التخفيف كُذِبُوا عن ظاهرها (١)، ولهم في ذلك تحرير لطيف سيأتي إيراده.
قرأ أهل الكوفة وهم: عاصم، وحمزة، والكسائي، وكذلك أبو جعفر، وخلف (٢):
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بالتخفيف من قولك: (كذبتك الحديث) أي: لم أصدقك. وفي التّنزيل: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التّوبة: ٩/ ٩٠]، وفيها وجهان من التفسير.
أحدهما: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، بمعنى أخلفوا ما وعدوه من النّصر؛ جاء الرسل نصرنا، فجعل الضمير في قوله: ظَنُّوا للقوم.
وجعل (الظّن) موافقا لفظه معناه. فإن قيل: كيف يجوز أن يحمل الضمير في ظَنُّوا على القوم، والذي تقدم ذكره الرّسل؟
قيل: إن ذلك لا يمنع لأن ذكر الرّسل يدلّ على المرسل (إليهم)، فلهذا جاز أن يحمل الضمير على المرسل (إليهم).
والوجه الآخر: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنّ قومهم أن الرّسل قد كذبتهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب، ثم ردّ إلى ما لم يسمّ فاعله، فقيل: إنهم كناية عن القوم.
وقرأ أهل الحجاز، والبصرة، والشام، وهم: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وكذلك يعقوب (٣): (كذّبوا) بالتشديد. وفي التّنزيل: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ [الأنعام: ٦/ ٣٤].

(١) انظر فتح القدير للشوكاني، ط دار المعرفة ٣/ ٦١.
(٢) سراج القاري لابن القاصح ٢٦٠. وعبارة الشاطبي في الحرز:
............ كذا نل، وخفف كذبوا ثابتا تلا
وانظر تقريب النّشر لابن الجزري ١٢٦.
(٣) مفهوم من النص على مذهب المخالفين، انظر المادة السابقة من الهامش.


الصفحة التالية
Icon