المبحث الخامس الأصل الشّرعي لكلمة (قراءة)
ولعل أقدم النصوص التي أشارت إلى تسمية الاختيار في التلاوة قراءة، ذلك الحديث المشهور المروي في الكتب الصحاح ونصّه:
عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فكدت أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلّم فلبّبته (١)، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت له: كذبت، فو الله إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك. فانطلقت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقوده، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان. فقال: يا هشام اقرأها، فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هكذا أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأتها التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هكذا أنزلت، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه» (٢).
وهكذا فإن الأصحاب رضوان الله عليهم أطلقوا لفظ (قراءة) على ما تخيره القرّاء من تلاوات النّبي صلّى الله عليه وسلّم من القرآن الكريم.
ولم تجد هذه القراءات سبيلها إلى التدوين؛ إذ لم يجتمع للصحابي مذهب مستقلّ في الأصول والفرش؛ بل هي اختيارات متفرقة تلقوها عن المعصوم صلّى الله عليه وسلّم في مناسبات متعددة.
ويكشف لك الحديث السابق عن الإذن الشرعي الصادر من النّبي صلّى الله عليه وسلّم، والذي يأذن فيه للصحابة الكرام برواية القرآن الكريم عنه مع التّفاوت في الأداء أصولا وفرشا.

(١) لبّبته: أخذت بردائه.
(٢) حديث مشهور له روايات كثيرة صحيحة.
انظر البخاري في كتاب الخصومات باب ٤، وفضائل القرآن باب ٥، وكذلك أخرجه مسلم والترمذي والنّسائي، واللفظ هنا لأحمد بن حنبل.


الصفحة التالية
Icon