و (الأحرف) - وهي جمع حرف- الوارد في الحديث تقع على معان مختلفة، فقد تكون بمعنى القراءة كقول ابن الجزري: «كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر» (١)، وقد تفيد المعنى والجهة (٢) كما يقول أبو جعفر محمد بن سعدان النّحوي (٣).
وحكي عن الخليل بن أحمد الفراهيدي (٤) شيخ العربية أن القراءات هي الأحرف (٥)، ولن تجد كتابا تعرض لهذه المسألة إلا أشار لهذا القول بالتوهين والتضعيف.
وأحب هنا أن أوضح رأي العلامة الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدي، فهو بلا ريب إمام العربية وحجة النّحاة، ولا شك أن انفراده بالرأي هنا لم ينتج من قلة إحاطة أو تدبر، ومثله لا يقول الرأي بلا استبصار، وانفراد مثله برأي لا يلزم منه وصف الرأي بالشذوذ أو الوهن! وغير غائب عن البال أن الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي توفي عام (١٧٠ هـ)، لم يدرك عصر تسبيع القراءات، حيث لم تشتهر عبارة القراءات السبع إلا أيام ابن مجاهد (٦)، وهو الذي توفي عام ٣٢٤ هـ.
ولم يكن الخليل بن أحمد يعني بالطبع هذه القراءات السبع التي تظاهر العلماء على اعتمادها وإقرارها بدءا من القرن الرابع الهجري، ولكنه كان يريد أن ثمة سبع قراءات قرأ بها النّبي صلّى الله عليه وسلّم،
(٢) طبقات القراء ٢/ ١٤٣.
(٣) البرهان ١/ ٢١٤.
(٤) الفراهيدي: (١٠٠ - ١٧٠ هـ، ٧١٨ - ٧٨٦ م).
الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، وأستاذ سيبويه النحوي المعروف، ولد ومات بالبصرة، كان مغمورا في
الناس لا يعرف، له كتاب (العين في اللغة)، وهو أول معجم في العربية، وله أيضا: (معاني الحروف)، و (جملة آلات العرب)، و (تفسير حروف اللغة)، وكتاب (العروض)، و (النقط والشكل)، و (النغم). الأعلام ٢/ ٣١٤.
(٥) الإتقان ١/ ٧٨، والبرهان ١/ ٢٢٣.
(٦) ابن مجاهد (٢٤٥ - ٣٢٤ هـ، ٨٥٩ - ٩٣٦ م).
هو أحمد بن موسى بن العباس التميمي، أبو بكر بن مجاهد، كبير العلماء بالقراءات في عصره. من أهل بغداد، وكان حسن الأدب، رقيق الخلق، فطنا جوادا، له كتاب (القراءات الكبير)، و (قراءة ابن كثير)، و (قراءة أبي عمرو)، و (قراءة عاصم)، و (قراءة نافع)، و (قراءة حمزة)، و (قراءة الكسائي)، و (قراءة ابن عامر)، و (قراءة النّبي صلّى الله عليه وسلّم)، و (كتاب الياءات)، و (كتاب الهاءات). الأعلام ١/ ٢٦١.