الفصل الثاني تاريخ القراءات
المبحث الأول القراءات في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم
أصبح من المسلّم به- كما رأينا- أن باب الاجتهاد منقطع تماما فيما يتعلق برواية القرآن الكريم- تلاوته وأدائه- وليس لعلماء القراءة في هذا الباب أدنى اجتهاد، إلا في حدود ضبط الرواية عن المعصوم صلّى الله عليه وسلّم.
وبذلك فإن سائر القراءات المتواترة قرأ بها النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأقرأ عليها، ويلزم التسليم هنا أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ بتحقيق الهمزات، وقرأ بتسهيلها، وقرأ بتغييرها، وقرأ بإسقاطها، وقرأ بفتح الألف، والتقليل فيها، واجتماعها، والإمالة فيها، وقرأ بالإدغام الصغير، والإدغام الكبير، وقرأ بالفصل بين الحروف المدغمة.
وقرأ كذلك بسائر الفرشيات التي تنسب إلى الأئمة العشرة؛ إذ ثبت بأسانيدهم المتواترة أنهم تلقوا ذلك كله عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
ولم يكن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قد قسم هذه الاختيارات إلى وجوه محسومة: سبعة أو عشرة، بل ترك لأصحابه الاختيار منها، بحسب ما تلقوه واستقامت عليه ألسنتهم.
ولو قدر أن يكون في عهد الصحابة من يهتم بحسم مسائل القراءة على الوجه الذي نهجته الشيوخ فيما بعد، لانتهى إلى الأمر ذاته الذي انتهوا إليه، ولكنه صلّى الله عليه وسلّم مات وأمر الاختيار هذا مشاع في الأمة، يتخير منه القرّاء من الصحابة ما يرغبون، بشرط أن يكونوا قد سمعوه من المعصوم صلّى الله عليه وسلّم في مقام.