إنما هو حركات مختلفة لحرف واحد، أو هو حرف واحد من مخرج صوتي واحد، تتغير قوة الضغط عليه كما تتغير قوة الضغط في الآلات، دون أن يستدعي ذلك افتنانا في تخريج الصوت الناطق من الأجهزة الصوتية في الإنسان وبمثل هذا الاختلاف في الضغط، أو الاختلاف في الحركة، يمكن أن تبلغ حروف الأبجدية خمسين أو ستين، ولا تدل على تنويع مفيد لمخارج النطق الإنساني على حسب الملكة الموسيقية الكامنة في استعداده» (١).
«وتظل اللغة العربية بعد ذلك أوفر عددا في أصوات المخارج التي لا تلتبس ولا تتكرر بمجرد الضغط عليها، فليس هناك مخرج صوتي واحد ناقص في الحروف العربية، وإنما تعتمد هذه اللغة على تقسيم الحروف على حسب موقعها من أجهزة النطق، ولا تحتاج إلى تقسيمها باختلاف الضغط على المخرج الواحد!
وعلى هذه الصورة تمتاز اللغة العربية بحروف لا توجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والقاف والحاء والطاء، أو توجد في غيرها أحيانا ولكنها ملتبسة مترددة لا تضبط بعلامة واحدة»
.
وقد جاء في عرض كلام العقاد، وهو يتحدث عن شاعرية هذه اللغة من هذا الجانب وحده- جانب الأبجدية أو تقسيم الحروف- وصفها بأنها لغة إنسانية ناطقة! نظرا لهذا الاستخدام الأمثل لجهاز النطق في الإنسان، فلا توجد في العربية أداة صوتية ناقصة تحسّ بها أبجدية هذه اللغة! «إذ ليس في حروف الأبجديات الأخرى حرف واحد يحوج العربي إلى افتتاح نطق جديد لم يستخدمه. وكل ما هنالك أنه قد يحوجه إلى الضغط الآلي على بعض الحروف المعهودة، وهو ضغط يدل على العجز عن تنويع الأصوات واستخدام أجهزة الحياة الناطقة على أحسن الوجوه، وأقربها إلى التنويع والتفصيل» (٢).
(١) اللغة الشاعرة، ص ٩.
(٢) المصدر السابق، ص ١٠.


الصفحة التالية
Icon